حلقة (4) برنامج معرفة الحق
الجمعة 1/7/2011م (د. رحومة)
المدرسة النقدية الحديثة (1)
The School of Criticism
(1) المضيف: مرحبا بكم أيها الأحباء المشاهدين في قناة الفادي، وفي الحلقة الثالثة من برنامج معرفة الحق. ومعنا القمص زكريا بطرس. مرحبا بك.
أبونا: وبك أيضا وبجميع المشاهدين الأحباء.
(2) المضيف: هل ترفع لنا طلبة في البداية؟
أبونا: (صلاة: بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. إلهي إني أردد مع عبدك داود النبي قائلا: "ارحمني يا الله ارحمني، لانه بك احتمت نفسي، وبظل جناحيك احتمي، الى ان تعبر المصائب" (مز57: 1).
الفقرة الأولى
الرسالة الروحية
(3) المضيف: سبق أن تكلمت عن: مفهوم الخلاص، وهو الإنقاذ من عقوبة الخطية بدم المسيح، والإنقاذ من سلطان الخطية بقوة الروح القدس، والخلاص من جسد الخطية بمجيء المسيح الثاني ليغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، وماذا تريد أن تقول لنا اليوم؟
أبونا: (1) أحب أن أقول أن كل ما تكلمت عنه سابقا هو عبارة عن توضيحات لـ "مفهوم الخلاص" واليوم أريد أن أتكلم عن "دوافع الخلاص" (2) وقد عرفنا في معرض حديثنا عن سر الخلقة أن دوافع الخلقة تركزت في محبة الله ومسرته بإيجاد آدم ليتمتع بخيراته في جنة عدن التي غرسها له. (3) وهكذا أيضاً فان خلاص الله للإنسان ليرده إلى إلى فردوس النعيم هو عمل من أعمال المحبة والرحمة.
(4) المضيف: حدثنا عن دافع الله المقدس لخلاص الإنسان وهو المحبة الإلهية.
أبونا: (1) يوضح ذلك يوحنا الحبيب بقوله: (1يو4 9 ،10) "بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا. (2) فوضح بهذا دوافع الخلاص العميقة وكأنه يردد قول السيد المسيح "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية",(يو16:3). (3) والواقع أنه لايمكن إدراك معنى كلمة "هكذا" المذكورة في هذه الآية. واللتي يعنى بها السيد المسيح "بهذا المقدار" إلا إذا لمسنا صورة الحب الإلهي للبشرية كما رسمها بريشته الشاعرية حزقيال النبي فيما أسميه: أنشودة الحب الإلهي (4) إذ يقول: "أما ميلادك يوم ولدت لم تقطع سرتك، ولم تغسلي بالماء للتنظيف، ولم تملحي تمليحاً، ولم تقمطي تقميطاً، ولم تشفق عليك عين لتصنع لك واحدة من هذه لترق لك. بل طرحت على وجه الحقل بكراهة نفسك يوم ولدت، فمررت بك ورأيتك مدوسة بدمك، فقلت لك بدمك عيشي، مررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب فبسطت ذيلي عليك، وسترت عورتك، وحلفت لك، ودخلت معك في عهد بقول السيد الرب، فصرت لي. فحممتك بالماء، وغسلت عنك دماءك، ومسحتك بالزيت، وألبستك مطرزة، ونعلتك بالتخس وأزرتك بالكتان، وكسوتك بزاً، وحليتك بالحلي، فوضعت إسورة في يدك، وطوقاً في عنقك، ووضعت خزامة في أنفك وأقراطا في أذنيك، وتاج جمال على رأسك، ... وأكلت السميذ ... وجملت جدا جدا فصلحت لمملكة. وخرج لك اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد الرب" (حز4:16-14).
(5) المضيف: يا لروعة هذه الأنشودة، ولكن يوجد سؤال ماذا يقصد بقوله: "طرحتِ على وجه الحقل بكراهة نفسك يوم ولدت"
أبونا: (1) هل توجد مثل هذه القساوة في قلب أي أم أو أي أب لتطرح وليدة دون أن تُغسَّل من دماء الولادة ودون أن تعطف عليها عين، اللهم إلا إذا كانت هذه النفس المطروحة على وجه الحقل هي (لقيطة، مولودة من الخطية) (2) هذه هي النفس التي أحبها الله؟ إذ يقول السيد الرب : مررت بك فوجدت زمنك زمن الحب !! أي حب هذا؟ وماذا فيها يحب؟ إنها ملوثة بدماء الخطية والدنس.. فكيف تحبها؟! (3) هل تحبها يارب من أجل نجاستها؟ (4 يجيب الرب إني أحبها برغم نجاستها!
(6) المضيف: كيف ينطبق ذلك على حياتنا الشخصية؟
أبونا: (1) إننا بالإثم صورنا وبالخطية ولدنا .. ولكن الرب في محبته يمر بنا ويرانا في دنس خطايانا .. ولا يقف ليحاكمك ويقتص منك.. وإنما يبسط ستره ويغطي خزينا، ويدخل معي ومعك في عهد مقدس فتصير له.. انظر ماذا يفعل معك الرب. (2) يحممك بالماء ويغسل دماءك.. إذ يطهرك بغسل الماء والكلمة (في المعمودية). (3) ويمسحك بالزيت.. مسحة الروح القدس (بالميرون). (4) ويلبسك مطرزة.. فيكسوك ثوب البر. (5) ويزينك بالحلي.. أي مواهب الروح القدس. (6) ويضع تاج جمال على رأسك.. أي يتوجك بخوذة الخلاص. (7) ويطعمك السميذ (في سر التناول المقدس)
(7) المضيف: هل هذا هو مقدار الحب الإلهي الذي كان يقصده بقوله: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية".
أبونا: (1) نعم هذا هو مقدار الحب الإلهي الذي ضحي بالمسيح الفريد كفارة لخطايانا، ليعطنا كل هذه النعم والبركات. (2) وما أجمل ما كتبه القديس يوحنا ذهبي الفم: "إنه من المستحيل أن يتخير أحد الموت لأجل رجل بار، ولكن انظروا إلى محبة السيد الذي لم يمت لأجل الأبرار بل لأجل الأثمة والأعداء".
(8) المضيف: قلت أن دوافع اللع المقدسة لخلاصنا هي الرحمة أيضا، فماذا تريد أن تقول عن ذلك؟
أبونا: (1) أريد أن أقول أن الرحمـة هي شعاع المحبة الذي يحمل لنا نور الخلاص. إذ يقول معلمنا بولس الرسول "لا بأعمال في بر عملناه نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا" (تى5:3).
(2) فإذ تطلع الرب إلى نهاية الإنسان التعيسة في جهنم الأبدية تحرك قلبه بالشفقة والرحمة، فأرسل ابنه الحبيب لينقذنا مما هو عتيد أن يصير للأثمة. (3) هذا هو عمل الرحمة الغنية كما قال بولس الرسول "الله الذي هو غنى في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح". (أف4:2). (4) وأحب أن أعطي توضيحا عمليا لذلك، قصة واقعية سمعتها عندما كنت واعظا للسجون في مدينة طنطا، حكاها لي باشكاتب السجن، (قصة العمدة الذي فدى إبنه)
(9) المضيف: هذا ما فعله المسيحي معنا، فهل لك كلمة تطبيقا على ذلك توجهها للمشاهدين؟
أبونا: عزيزي المشاهد هل تحب ان ترفع قلبك الآن صارخا قائلا: "إني يارب اتكل على غنى رحمتك ومحبتك للبشرية..فارحمني أنا الخاطئ".
(10) المضيف: شكرا للرب من أجل هذا الإيضاح. هل يمكن أن نأخذ بعض المداخلات؟
المداخلات
(11) المضيف: هل يمكن أن نخرج فاصل. أحبائي المشاهدين ابقوا معنا مع هذه الترنيمات المنعشة للنفس حتى نعد ثانية.
فاصــل
الفترة الثانية (المدرسة النقدية)
(12) المضيف: مرحبا بكم أيها الأحباء ثانية في برنامج معرفة الحق بقناة الفادي الفضائية. وحديثنا في هذه الفترة الثانية عن مواضيع حوارية مع أحبائنا المسلمين. وكنتُ قد أثرتُ في الحلقة السابقة إعتراضات كثير من أحبائنا المسلمين، المستائين مما يسمونه الهجوم علي الإسلام ونبي الإسلام. فكلمتنا عن مشروع حوار الأديان للملك عبدالله ملك السعودية، ووضحت أن برامجنا ما هي إلا مساهمة في معرفة الأديان، ووعدتنا أنك ستكلمنا عن مشروعية برامجنا أيضا من خلال ما يسمى "بمنهج النقد العلمي" فماذا في جعبتك عن هذا الأمر؟
أبونا: (1) الواقع أن ما يعرف: بمدرسة النقد العلمي للنص التاريخي (The School of Criticism)، هو علم له منهجيته الأكاديمية لتحري الدقة للحكم على صحة أي نص قديم من عدمه، حتى النصوص الدينية؟ (2) والواقع أن المدرسة النقدية العلمية تضرب جذورها في عمق التاريخ، وطُبِّق منهجها في الغرب على فروع الأدب والعلم والفنون المتنوعة، وعلى الكتاب المقدس نفسه. (3) كما طُبِّق أيضا في الشرق العربي على جميع المجالات الأدبية، والتاريخية والفكرية والعلمية، (4) بل وحتى على مصادر الدين الإسلامي القرآن والحديث والسيرة المحمدية.
(13) المضيف: دعنا نناقش هذه المواضيع واحدة فواحدة، فأولا: ما هي المدرسة النقدية أساسا؟
أبونا: التعريف بالمدرسة النقدية: هي المدرسة التي تستخدم المنهج العقلي الذي يطبِّق أدوات البحث العلمي الحديث، للتحقق من صحة المواضيع التي يدرسها للوصول إلى الحقيقة. (2) وطبقوا هذا المنهج على الكتاب المقدس والقرآن. (3) وهناك المدرسة النقدية في الغرب، والمدرسة النقدية في الشرق.
(14) المضيف: هل يمكن أن تعطي المشاهدين لمحة عن هذه المدرسة في الغرب: من جهة نشأتها، وتطبيق منهجها على نقد الكتاب المقدس، ونقد مصادر الإسلام؟
أبونا: هذا رائع: (1) الواقع أن المدرسة النقدية في الغرب، نشأت في القرن 17 الميلادي على يدي الفيلسوف ديكارت صاحب نظرية الشك المنهجي: (أنا أشك فأنا أفكر إذن فأنا موجود). (2) هذا المنهج يبدأ بالشك ليوصل إلى اليقين، بناء على الأدلة والبراهين. (3) وهذا ما طبقه ديكارت على كل كتب التراث، فبدأ بالشك فيها، وبحث على الأدلة والبراهين التي تثبت صحتها أو تظهر بطلانها. (4) وأوصى ديكارت وكان شخصا مؤمنا أن لا يطبق هذا المنهج النقدي على الكتاب المقدس.
(15) المضيف: وبالرغم من هذا نعلم أن الكتاب المقدس تعرض للكثير من النقد. فكيف كان ذلك؟
أبونا: (1) الواقع أن أحد تلاميذ ديكارت لم يلتزم بتحذيرات معلمه، (2) وهو سبينوزا الفيلسوف الهولندي في القرن 17الميلادي، فقد طبق هذا المنهج النقدي على الكتاب المقدس نفسه. (3) وتبعه نقاد غربيون كثيرون، وكتبوا مؤلفات كثيرة في نقد الكتاب المقدس.
(16) المضيف: ولكن الكتاب المقدس صمد شامخا كالطود أمام محاولات النيل منه.
أبونا: أنت على حق، فقد انتصر الحق الكتابي إنتصارا باهرا، لدرجة أن أحد أصحاب المطابع الذي كانت تطبع كتب النقد ضد الكتاب المقدس، بعدما عرف الحقيقة كرس مطبعته لطباعة الكتاب المقدس.
(17) المضيف: وهل تعرض أتباع هذه المدرسة النقدية في الغرب لمصادر الإسلام أي القرآن والحديث والسيرة المحمدية؟
أبونا: نعم، فقد أصبح موضوع "مصادر القرآن" أو "مصادر الإسلام" فرعًا مستقلا بذاته في دراسات مدرسة النقد التاريخي. وأذكر من تلك الدراسات ما يلي:
1) في القرن 12 الميلادي: ظهر كتاب "هرطقة الإسلام" للقديس بطرس الموقر بأسبانيا.
2) وفي القرن 19 الميلادي ظهر:
1. "كتاب ميزان الحق للقس الألماني فندر سنة 1849م
2. وكتاب "تاريخ النص القرآني" وضعه: أجناس جولدتسهر، في جوتنجن سنة 1860 م
3. وكتاب "التطور التاريخي للقرآن" وضعه: إدوارد سل، في مدراس بالهند سنة 1898م .
4. و"كتب الهداية" [4 أجزاء] لمجموعة من المرسلين الأمريكان 1899م،
(18) المضيف: وماذا عن القرن العشرين والحادي والعشرين؟
أبونا: كان النشاط في القرن العشرين والحادي والعشرين خصبا للغاية فقد ظهر:
1. كتاب "مصادر الإسلام" وضعه: وليم موير، لندن 1901م .
2. وكتاب "تاريخ القرآن" وضعه: بوتيه، باريس 1904م .
3. وكتاب "القرآن" وضعه فلهاوزن عام 1913م .
4. وكتاب "مصادر القصص الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء" وضعه: سايدر سكاي، في باريس 1932م .
5. وكتاب "مواد لدراسة تأريخ نص القرآن" وضعه: آرثر جيفري، في ليدن 1937م .
6. وكتاب "مدخل إلى القرآن" وضعه : ريجيه بلاشير الفرنسي ونُشر في باريس 1947م
7. وكتاب "مدخل إلى القرآن" وضعه : ريتشارد بل، ونشر في أدنبرج 1954 م
8. وكتاب "تاريخ الإسلام، إصدار جامعة كمبردج" بإشراف برنارد لويس عام 1970 م.
9. وكتاب "الهاجريون" وضعته باتريشيا كرونه، نشر جامعة كامبردج سنة 1977م
10. وكتاب "محمد" وضعه مايكل كوك، طبع جامعة أكسفورد 1987م .
11. وكتاب "المصادر الأصلية للقرآن" وضعه تسدال.
12. وكتاب "القرآن والكتاب المقدس فى نور العلم والتاريخ" وضعه: وليام كامبل.
13. وكتاب "تاريخ النص القرآني" وضعه: تيودور نولديكه.
14. وكتاب "تاريخ قراءات القرآن" وضعه: برجشتراسر.
15. وكتاب "تدوين القرآن" وضعه: كانون سل.
16. وكتاب "تطور القرآن التاريخي" وضعه أيضا: كانون سل.
17. وكتاب (قصة بحيرة الراهب) ـ تحقيق ريتشارد جوثهيلد.
** وغير ذلك الكثير، فلا مجال لسرد القائمة بأكملها.
(19) المضيف: نأتي إلى المدرسة النقدية عند العرب: (1) متى نشأت في الشرق (2) وهل طبقت على الكتاب المقدس (3) وهل طبقوا نفس المنهج على مصادر الإسلام: 1ـ على علم الحديث 2ـ وعلى علوم القرآن؟ .. وإلخ؟
أبونا: أشكرك على هذه الأسئلةالدقيقة، ولنناقشها واحدة فواحدة،
أولا: نشأة المدرسة النقدية عند العرب:
تتمثل المدرسة النقدية عند العرب فيما يعرف بـ "علم الكلام" أو "علم التوحيد": وهو معرفة أصول الدين معرفة علمية قائمة على أساس من الدليل والبرهان. وتعود نشأته إلى القرن الأول الهجري. وقد أدى علم الكلام إلى انقسام المسلمين عقائدياً إلى فرق شتى، منها الجهمية، والمعتزلة، والماتريدية، والأشاعرة، والاباضية، والامامية، والزيدية، وغيرهم الكثير.
(20) المضيف: هل يمكن أن توضح بعض هذه الفرق ومساهمتها في المنهج النقدي للمصادر الإسلامية؟
أبونا: بكل سرور.: (1) المعتزلة فرقة كلامية ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري في البصرة، 1ـ أنشأها واصل بن عطاء، 2ـ واعتمدت على العقل في تأسيس عقائدها، (موقع الويكيبيديا)
(2) وكان الداعي لظهور هذه الفرقة ظرف حضاري أي تاريخي. لأن الإسلام عند نهاية القرن الأول كان قد توسع ودخلت أمم عديدة وشعوب كثيرة في الإسلام، ودخلت معها ثقافات مختلفة، ودخلت الفلسفة. (3) ولم يعد المنهج النصي التقليدي النقلي يفي بحاجات المسلمين العقلية في جدالهم. (4) والمنهج الذي يصلح لذلك هو المنهج الطبيعي العقلي والذي سيصبح أهم المذاهب الكلامية، فهو أكثر المذاهب إغرقا وتعلقا بالمذهب العقلاني.
(21) المضيف: شكرا، وماذا عن مذهب الأشاعرة؟
أبونا: (1) ظهرت فرقة الأشاعرة: في القرن الرابع الهجري، (2) وإن كانت ضد المعتزله، ولكنهم استخدموا منهجهم، وهو المذهب الكلامي الذي دعم بشكل عام آراء وفلسفة فقهاء أهل السنة والحديث, (3) ظهر هذا المذهب على يد أبو الحسن الأشعري الذي استخدم نفس أدوات المعتزلة الكلامية لدعم آراء أهل الحديث، (4) وبالتالي أوجد المدرسة الكلامية المستمدة من آراء علماء الحديث فيما يخص صفات الخالق ومسائل القضاء والقدر. (5) بهذا مَثَّل ظهور الأشاعرة نقطة تحول في تاريخ أهل السنة والجماعة التي تدعَّمت بِنْيِتُها العقيدية بأساليب المنطق والقياس المعتزلي، (6) فأثبت أبو الحسن الأشعري بهذا أن تغيير المقدمات المنطقية مع استخدام نفس الأدوات التحليلية المعرفية يمكن أن يؤدي إلى نتائج مختلفة.
(22) المضيف: أحب أنك تحدثنا عن دور ابن حزم الأندلسي في هذا المنهج؟
ابونا: (1) عاش ابن حزم في الأندلس في القرن الخامس الهجري (2) وجاء في [موقع الحوار دوت أورج]
www.alhiwar.org/ar/content/view/37/29/
أنه كانت له الريادة في مجال "النقدية التاريخية للكتب الدينية"
** وباختصار لأجل وقت البرنامج أقول أنه قد امتد تطبيق المنهج النقدي على جميع المجالات: في العلوم والأدب والفنون والسياسة، بل شمل تطبيقه على كتب الأديان أيضا.
(23) المضيف: جئنا إلى بيت القصيد. كيف طبق منهج النقد العلمي على كتب الديانات، هل طبق على الكتاب المقدس كما حدث في الغرب؟
أبونا: (1) الواقع أن الشيخ رحمة الله المتقي الهندي قد نقل ما كتبه نقاد الغرب عن الكتاب المقدس وأصدره في أربعة مجلدات باسم: (إظهار الحق) (2) وقد وجده السيد أحمد ديدات في مخزن محل البقالة الذي كان يعمل به في جنوب أفريقيا، ثم استخدم هذا الكتاب في مناظراته وكتاباته باعترافه شخصيا كما جاء في (موقع الويكيبيديا)
(3) وأحب أن أذكر في هذا المجال أنه قد مات هؤلاء جميعهم: أحمد ديدات، ورحمة الله المتقي الهندي، والغربيون الذي نقدوا الكتاب المقدس من قبل، وظل الكتاب المقدس رافعا راية الصدق، والنصرة على كل محاولات نقده. (4) بل إن أحد هؤلاء النقاد الغربيين الذي كرس دار طباعته لنقد الكتاب المقدس، قد قَبَلَ المسيح وجعل من مطبعته دارا لنشر الكتاب المقدس. (5) وهكذا ثَبَتَ الكتاب المقدس أمام هذا النقد المنهجي، لأنهم وجدوا فيه الحق، الذي كانوا يبحثون عنه من خلال المنهج النقدي، (6) لهذا فنحن لا نخشى من محاولات النقد على الإطلاق.
(24) المضيف: وماذا عن تطبيق النقد المنهجي في الشرق على مصادر الإسلام [القرآن والحديث والسيرة المحمدية]؟
أبونا: أنت تعرف بالطبع المحاولات التي ظهرت عبر التاريخ الإسلامي، خاصة نقد المسيحيين للقرآن والإسلام ومنها: (1) كتاب (الهرطقة) [لنقد الإسلام] للقديس يوحنا الدمشقي، في عهد الدولة الأموية، منتصف القرن الأول الهجري. (2) وكتاب (الرسالة إلى عبد الله بن اسماعيل الهاشمي) لعبد المسيح بن اسحق الكِندي في العصر العباسي (القرن الثالث الهجري). (3) وكتاب (الدر الثمين في إيضاح الاعتقاد في الدين) للأنبا ساويرس بن المقفع في (القرن العاشر الميلادي). (4) وكتاب (قصة بحيرة الراهب في الإسلام والمسيحية) رسالة ماجستير، عبد الأحد مالكي شابو. (5) و"كتاب (قس ونبي) بقلم موسى الحريرى ... وغيرها الكثير.
(25) المضيف: هذه مجهودات من كتاب مسيحيين، ولكن هل توجد محاولات لكتاب مسلمين؟
أبونا: يوجد كتاب مسلمون كثيرون قاموا بتطبيق هذا المنهج العلمي النقدي على الإسلام بصفة عامة، وعلى القرآن والأحاديث بصفة خاصة. (1) من الذين كتبوا عن الإسلام عموما الأستاذ محمد أركون بالمغرب: وهو رمز التنوير في الفكر الإسلامي يدعو إلى إحداث ثورة عربية مشابهة لثورة عصر التنوير الأوربية، ويتمثَّل مشروعُه الفكري في إنتاج ثقافة الأسئلة، بمنأى عن كافة المسلَّمات الجاهزة، وصولاً إلى المسكوت عنه واللامُفَكَّر فيه في الثقافة العربية الإسلامية. ويحرص أركون على كشف المعوقات الذهنية والعراقيل التاريخية والاجتماعية التي تعوق التقدم وتعرقله. (موقع الويكيبيديا)
(2) وكتاب "قراءة نقدية للإسلام" للدكتور كامل النجار [مصري بالسعودية]
http://www.yassar.freesurf.fr/library/bal529_00.html
(3) كتاب "محنة العقل في الإسلام" للأستاذ مصطفى جحا
** وهناك غير ذلك الكثير ولا مجال لذكر القائمة الطويلة.
(26) المضيف: هذا عن الإسلام بصفة عامة وماذا عن المنهج النقدي هذا وتطبيقه على علم الحديث؟
أبونا: (1) جاء في موقع (إسلام واي)
http://books.islamway.com/1/rsamadi/Manhag.doc
1ـ أنه في أوائل السبعينات من القرن العشرين ظهر .. "منهج النقد في علوم الحديث". 2ـ وجاء في نهاية المقال في الموقع: "أنه لا يوجد في التاريخ الإسلامي منهج للنقد إلا منهج علماء الحديث ... وهو منهج النقد عند علماء الحديث فقط". 3ـ هذه وجهة نظر كاتب المقال ويكفي أن فيه إعتراف بتطبيق منهج النقد في علوم الحديث"
(2) محاولة أخرى: هي جهود "أبي عمرو بن الصلاح " في وضع قواعد للنقد التاريخي عبر مجهوداته في عرض منهج النقد عند المحدِّثين من خلال كتابه: "علوم الحديث" (كتاب منهج المحدِّثين بين نظرية المنهج وتاريخ العلوم ص 2 المكتبة العربية الالكترونية)
(2) وكتاب "مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها" للأستاذ عبد الله القصيمي [ت 1965) [السعودية] (3) والواقع أننا لا يمكن أن نغفل دور الدكتور أحمد صبحي منصور الأستاذ السابق بجامعة الأزهر، والفكرة الأساسية عنده أن الأحاديث النبوية بعضها ضعيف وبعضها مكذوب، كما أنها جمعت في عهود بعيدة عن عهد الرسول لذلك فإنه لا يجوز الاعتداد بها ... وقد سُحِبَتْ منه درجة الدكتوراه في الثمانينات. ويعتبر أحمد منصور زعيما لما يسمى بجماعة "القرآنيين" التي تلاحقها أجهزة الأمن المصرية.
(27) المضيف: هل توقف النقد المنهجي عند حد علم الحديث فقط، ولم يطبقوه على بقية مصادر الإسلام من قرآن وسيرة نبوية، خوفا من أن يحدث لهما ما حدث لعلم الحديث؟ أم أن هناك محاولات لتطبيق المنهج النقدي على القرآن أيضا؟
أبونا: هناك بداية عدة محاولات لباحثين مسيحيين قاموا بتطبيق هذا المنهج العلمي على القرآ، منهم:
1) كتاب "القرآن والكتاب" للخوري الحداد ، مطبعة حريصا البولسية ، لبنان .
2) "كتاب هل القرآن معصوم" بقلم عبد الله عبد الفادى ,
3) "كتاب الإتقان في تحريف القرآن" الأب يوسف درة حداد.
4) كتاب "التأثير السرياني على أسلوب القرآن" ألفونس مينجانا.
(28) المضيف: مع احترامي للباحثين المسيحيين، فهذا مرفوض تماما من كل المسلمين. فهل توجد محاولات من باحثين مسلمين، بالتأكيد أنا أعرف البعض ولكن ماذا يحوي بحثك في هذا الخصوص؟
أبونا: تماما كما تقول. الواقع أن هناك كثير من الباحثين المسلمين قاموا بتطبيق هذا المنهج على القرآن، نكتفي بذكر:
(1) الإمام جلال الدين السيوطي في كتاب (الإتقان في علوم القرآن) (القرن التاسع الهجري)
(2) والدكتور طه حسين في مصر، في كتابه (في الشعر الجاهلي) تطرق إلى تطبيق نفس المنهج على بعض أجزاء من القرآن، كما جاء في موقع:
www.eastlaws.com/iglc/research/research-show.php?id=180
وهذه بعض الأمثلة مما جاء في هذا الكتاب:
1. تكذيبه للقرآن، في إخباره عن إبراهيم وإسماعيل،
2. إنكاره أن القراءات السبع للقرآن هي من عند الله.
3. طعنه في نسب النبي محمد طعنا فاحشا.
4. إنكاره أن الإسلام هو دين إبراهيم.
5. فعزلوه من وزارة المعارف، وأبعدوه عن الجامعة، وكفروه، وتولت النيابة التحقيق معه.
(3) ثم نصر حامد أبو زيد [من مصر]: الذي نادى بإخضاع القرآن لنظرية النقد التاريخي. ومن كتبه في ذلك (مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن). فطردوه من الجامعة وكان أستاذا للغة العربية بها، وحكموا بتطليقه من زوجته، فهرب إلى هولندا. وعاد إلى مصر ومات بها في ظروف غامضة.
(4) وسلمان رشدي في كتاب "آيات شيطانية" وصدور فتوى من الخميني في 14 فبراير 1989 بتحليل دمه.
(5) كتاب "النص المؤسس ومجتمعه"، جزآن. للشيخ خليل عبد الكريم.
(6) د. أحمد البغدادي [الكويت]: الذي سجن أكثر من مرة بتهمة الإساءة للدين الإسلامي لمناداته بتطبيق المنهج النقدي على القرآن.
(7) وعبد الله القصيمي [السعودية] كتاب "كيف ضل المسلمون"، ناقدا القرآن، وقد كفروه.
(8) الدكتور الشيخ عباس عبد النور وكتابه [محنتي مع القرآن والله في القرآن]
(29) المضيف: شكرا لهذا البحث التفصيلي للمنهج العلمي النقدي في كل المجالات.
أبونا: (1) أحب أن أقول إن برامجنا على قناة الفادي ما هي إلا مساهمة في ذات منهج النقد العلمي التاريخي، للتحقق من صحة ما نؤمن به، سواء الكتاب المقدس أو القرآن.
وسوف نستكمل الموضوع في الحلقات القادمة بمشيئة الله. (2) عزيزي الباحث عن الحق ليتك تعيد التفكير فيما قلناه، وتطلب من الله الخالق أن يكشف لك عن الحقيقة التي توصلك إلى معرفة الله المعرفة الصحيحة. قل له: اكشف عن عينيَّ يا رب لأعرفك حتى أعيش معك في سلام. آمين.
(30) المضيف: هل يمكن أن نأخذ بعض المداخلات على هذا الجزء من لقائنا اليوم؟
المداخلات
(31) المضيف: هل يمكن أن نخرج فاصل ونعود
فاصــل
الفقرة الثالثة
(32) المضيف مرحبا بكم أيها الأحباء من جديد في هذه الفقرة الثالثة "مواجهات الشيوخ" حول موضوع تزايد أعداد الذين يعتنقون الإسلام. فما هو تعليقك على ذلك؟
أبونا: (1) في حلقة سابقة عرضت فيديو لفتاة قاصرة يقولون أنها أسلمت، ورأينا أنها لا تعرف شيئا عن الإسلام، وعندما سألها القوَّاد أن تتكلم عن إسلامها، اكتفت بذكر إسمها وأنها أسلمت، وعندما طلب منها المزيد قالت أقول إيه، مفيش. (2) أفضل أن نرى هذا المشهد لنتذكره. (الفيديو)
(3) وهناك حالات أخرى، ولكن الواقع أن لا أحد يعتنق الإسلام إيمانا بمبادئه وتعاليمه، ولكن لأسباب أخرى لا تخفى عن فطنة اللبيب، منها الإغراء بالمال، والسكن، والوظائف، والترقيات، أو الهروب من المشاكل، أو للتطليق. (4) وهوذا دليل من فم الشيخ أبو اسحق الحويني، يحكيه تفكها، ولإظهار أن مبدأ الطلاق في الإسلام يسر في الدين، (الفيديو)
(33) المضيف: وما هو تعليقك؟
أبونا: (1) لم يدرِ فضيلة الشيخ أبو اسحق الحويني أنه بهذا يطعن في دينه الإسلامي، ويكشف عن نوعيات الذين يعتنقون الإسلام، لا لإيمان بالدين بل للتخلص من المشاكل بدخول الدين الواسع. (2) والسيد المسيح قال: (مت7: 13و14) "ادخلوا من الباب الضيق لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك و كثيرون هم الذين يدخلون منه. ما اضيق الباب و اكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة و قليلون هم الذين يجدونه". (3) ليس المهم أن يكون الدين يسرا، بل المهم أن يؤدى إلى الحياة الأبدية الحقيقية. (4) لا إلى جنة الحور والغلمان، وأنهار الخمور والألبان.
(34) المضيف: عندك حق. هل يمكن نأخذ بعض المداخلات؟
المداخلات
(35) المضيف: ختام
أبونا: سلام.
