برنامج حياتك الروحية
12ـ نعمة التقديس 1
حلقة الثلاثاء 29/11/2011م
(عمل النعمة ـ نعمة التقديس)
(تقديم: هدى)
(1) المضيف: 1ـ مرحبا بكم أيها الأحباء المشاهدين في الحلقة الثانية عشرة من برنامج "حياتك الروحية" من قناة الفادي الفضائية، ومعنا القمص زكريا بطرس، مرحبا بك
[أبونا]: مرحبا بك، وبالمشاهدين الأحباء
(2) المضيف: هل ترفع لنا طلبة في البداية؟
[أبونا]: بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. (2) "ايها الرب سيدنا ما امجد اسمك في كل الارض حيث جعلت جلالك فوق السماوات. (3) نعظمك يارب ونمجد إسمك فما أمجد اسمك يارب في كل الأرض، (4) لقد جعلت جلالك يارب فوق السماوات، فها نحن نرى سماواتك عمل اصابعك القمر والنجوم التي كونتها، فنعظمك ونمجد إسمك القدوس (5) ونسألك يا رب أن تبارك حلقة هذا اليوم لتكون سبب خلاص لمن يشاهدها آمين.
خريطة موضوع الخلاص
(3) المضيف: اعتدت أن تقدم لنا خريطة موضوع الخلاص، فهل تعرضها لنا؟
[أبونا]: بكل سرور نرى الجدول معا. (الجدول)
الخلاص يشمل: (1) جوهر الخلاص (2) قضية الخلاص (3) نعمة الخلاص (4) إتمام الخلاص. فبخصوص
أولا: جوهر الخلاص: يشمل: (1) مفهوم الخلاص (2) ودوافع الخلاص (3) وطرق الخلاص (4) وعمل الخلاص.
ثانيا: قضية الخلاص: تشمل: (1) فلسفة الخلقة (2) مشكلة الخطية (3) تدبير الخلاص.
ثالثا: نعمة الخلاص: تشمل: (1) مفهوم النعمة (2) عمل النعمة (3) مجال النعمة (4) وسائط النعمة.
رابعا: إتمام الخلاص: يشمل: (1) خطر الارتداد (2) حتمية الجهاد (3) أهمية التدريبات.
(4) المضيف: هل يمكن أن تلخص لنا موضوع الحلقة السابقة؟
[أبونا]: تكلمت عن:
عمل النعمة، وقلت أنه يشمل الجوانب التالية:
1ـ التبـريـر
2ـ التقديـس
3ـ التمجيـد
(2) ولكن الوقت لم يسعفني إلا أن أتكلم عن التبرير:
1ـ التبرير أمام الله بالإيمان.
2ـ والتبرير أمام الناس بالأعمال التي يعملها الله في المؤمن.
(5) المضيف: وماذا تريد أن تقول لنا اليوم؟
[أبونا]: سأكمل الحديث عن عمل النعمة الثاني وهو التقديس.
====== أولا: مفهوم التقديس =======
(6) المضيف: وماذا تقصد بالتقديس؟
[أبونا]: (1) التقديس هو عملية مستمرة في حياة المؤمن تبدأ من وقت تبريره، وتستمر طيلة أيام حياته على الأرض. (2) وللتقديس بعدان: 1ـ البعد الأول: أنه نعمة موهوبة من الله، 2ـ والبعد الثاني هو: مشاركة الإمكانيات البشرية التي يستطيع المؤمن أن يقدمها من جانبه.
(7) المضيف: هل يمكن أن تكلمنا عن هذين الجانبين:
[أبونا]: الجانب الأول: النعمـة الإلهيـة الموهوبة (1) فالتقديس نعمة موهوبة من الله لكل المؤمنين فان مقامهم ومركزهم في المسيح أمام الله هو أنهم قديسون، يتضح ذلك من قول بولس الرسول لأهل روميه (رو7:1) "إلى جميع الموجودين في روميه أحباء الله مدعوين قديسين". (2) وقد علَّق على هذه الآية القديس يوحنا ذهبي الفم في مجموعة أقوال الآباء القديسين
(Nicece & Post Nicece Fathers. 1st. Ser. Vol X1 P. 341).
بقوله (هذا هو أعظم امتياز، ويظهر منه كيف تم التقديس. فيوضح بولس الرسول في الآية أن التقديس تم بالمحبة، إذ بعد أن قال في الآية: (الموجودين في روميه أحباء الله) قال: (مدعوين قديسين) ليظهر أن المحبة الإلهية هي مصدر التقديس. لهذا فهو يدعو جميع المؤمنين قديسين)
(3) ويكمل حديثه في هذا الموضوع عندما علق على قول الرسول (نعمة لكم وسلام من الله أبينا) في نفس الآية (رو7:1). فيقول في
(Nicece & Post Nicece Fathers. 1st. Ser. Vol X1 P. 342).
(عجباً ما أعظم حب الله، نحن الذين كنا أعداء، وكنا في خزي، أصبحنا فجأة قديسين وأبناء، وبما أن القداسة والتبني هما هبة من الله فلا يمكن أن تزول حتى بالموت، وإنما تميِّز المؤمن على الأرض، وتصحبه في رحلته إلى الأبدية)
(4) وحيث أن المؤمن قد حسب له بر المسيح، فقد حسب له أيضاً قداسة المسيح. أي أن المسيح قد أصبح له (براً وقداسة) كما يقول بولس الرسول "ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء" (1كو30:1). وقد علق على هذه الآية القديس يوحنا ذهبي الفم في أقوال الآباء
(Nicece & Post Nicece Fathers. 1st. Ser. Vol X11 P. 24).
بقوله: "هذا الشرف لم يكن مصدره الإنسان بل المسيح الذي صيرنا أبراراً وقديسين، فهذا هو ما يعنيه بقوله (صار لنا برا وقداسة).. فقد صيرنا أبراراً وقديسين بإعطائه لنا الروح القدس. فمن المسيح تصدر كل الأشياء".
(5) من هذا نرى أن المؤمن يعتبر قديس، لا لأنه قديس من ذاته، بل على أساس تبريره وحسبان قداسة المسيح له، إذ يقول الرسول "فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع مرة واحدة" (عب10:10).
(6) كما أن المؤمن قديس لأنه عضو في جسد المسيح، فقد تقدس بهذه العلاقة إذ يقول الرسول "لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (أفسس30:5). ولهذا نقول في القداس الإلهي "القدْسات للقديسين". (القداس الباسيلي).
وهناك العديد من الآيات التي تؤيد ذلك:
(8) المضيف: هل يمكن أن تذكر لنا بعض تلك الآيات التي تؤيد ما تقوله؟
[أبونا]: (1) كتب بولس الرسول في رسالة (1كو2:1) "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس المقدسين في المسيح يسوع المدعوين قديسين. مع جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان لهم ولنا". (2) وقد علق على هذ الآية القديس يوحنا ذهبي الفم في مجموعة أقوال الآباء:
(Nicece & Post Nicece Fathers. 1st. Ser. Vol X11 P. 3).
بقوله: "يُذكِّر بولس الرسول الكورونثيين بنجاستهم التي خلصهم منها المسيح، ويقودهم إلى الاتضاع، إذ يوضح لهم أنهم لم يتقدسوا بأعمالهم الصالحة بل بمحبة الله المترفقة".
(3) وجاء في (أف1:1) "بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله إلى القديسين الذين في أفسس والمؤمنين في المسيح يسوع". (4) وقد علق أيضاً على هذه الآية القديس يوحنا ذهبي الفم في أقوال الآباء
(Nicece & Post Nicece Fathers. 1st. Ser. Vol X111 P. 50).
بقوله: (لاحظ أنه يدعو الرجال والسيدات والأطفال والعبيد قديسين، فهذه الفئات التي يدعوها قديسين قد أشار إليها في نهاية الرسالة إذ قال "أيها النساء اخضعن لرجالكن" (أف22:5). وأيضاً "أيها الأولاد أطيعوا والديكم" (أف9:6). وأيضاً "أيها العبيد أطيعوا سادتكم" (أف5:6). فالعلمانيون أيضاً يدعون قديسون)
(5) هذا هو مقام المؤمن أمام الله، فهو يُعتبر قديس في المسيح، لأنه حظِيَ بمقام المسيح، الذي أخذ موقف الإنسان المدان (إذ صار خطية لأجلنا) وأعطاه موقفه الكامل من بر وقداسة "لنصير نحن بر الله فيه" (2كو: 21)، "وصار لنا برا وقداسة وفداء" (1كو1: 30).
(9) المضيف: هل يمكن أن يقود هذا إلى الكبرياء؟
[أبونا]: (1) إن مقامنا السامي هذا لا يقودنا إلى الكبرياء، بل إلى التواضع إذ أن هذه الامتيازات لم يحصل عليها المؤمن بأعماله، وليست هي من ذاته، حتى يفتخر بها، وإنما هي نعمة موهوبة مجاناً من الله. (2) لهذا قال القديس يوحنا ذهبي الفم في مجموعة أقوال الآباء:
(Nicece & Post Nicece Fathers. 1st. Ser. Vol 12 P. 3).
"يقود بولس الرسول أهل كورنثوس إلى الاتضاع إذ يظهر لهم أن اعتبارهم قديسين ليس هو نتيجة أعمالهم الصالحة، بل نتيجة محبة الله المترفقة).
(3) ويقول بولس الرسول أيضاً في هذا الصدد (رو24:3-28) "أين الافتخار. قد انتفى. [لأنه] بأي ناموس [تبررنا] أبناموس الأعمال؟ كلا. بل بناموس الإيمان".
(4) ومقامنا السامي هذا هو مصدر تعزية وقوة مشجعة في نضالنا المقدس وحربنا الروحية. فان من أكبر المفشلات، أن يشغلنا الشيطان بحالتنا الردية وحياتنا الضعيفة، ويحاول أن ينسينا مقامنا السامي في المسيح، فهذا كفيل بأن يؤدى إلى الخيبة والفشل.
(5) كما أن هذا المقام السامي يقودنا إلى الحرص والحذر في كل ما نتصرفه أو نفكر فيه، أمام الله والناس، ليكون كما يتناسب مع مقامنا ويطابق مركزنا. وهذا هو المبدأ الذي يجب أن نسير عليه دوما.
(10) المضيف: عودتنا دائما أن تذكر لنا قصة أو تشبيها لتوضح لنا ما تريد أن توصله لأفهامنا. فهل تذكر لنا شيئا من ذلك؟
[أبونا]: أذكر قصــة: (1) بينما كان أحد الأمراء ممتطياً جواده في حديقة القصر، عثر الجواد، فسقط الأمير من عليه، إلا أن الضابط الذي كان سائراً بجانبه تلقاه على زراعيه، فلم يلحق الأمير أذى. نظر الأمير إلى الضابط الذي كان برتبة (صول) وقال له "أشكرك يا بك" وعندما سمع الملك أسرع في الحال لرؤية نجله وهنأه بنجاته، ثم سأله "ماذا قلت لمن أنقذك؟" أجاب الأمير "قلت له: أشكرك يا بك"، قال له الملك: "لقد منحته أنا أيضا لقب البكوية لأجل خاطرك. ولكن لا تنطق فيما بعد بعبارة مثل هذه، لأنك أمير وولى عهد، وكل ما تقوله محسوب عليك. اذكر مقامك يا ابني" (2) هذه نصيحة الملك لابنه "اذكر مقامك ومركزك" أي تكلم وتصرف بما يليق ومركزك السامي ومقامك الكبير. (3) هذا ما يجب أن يتذكره كل مؤمن، فهو كإبن لله أصبح في المسيح يسوع بارا وقديسا كمقام سام وهب له بالنعمة.
======= ثانيا: عمل النعمة في التقديس ======
(11) المضيف: نأتي الآن إلى عمل النعمة في التقديس. فحدثنا عن ذلك.
[أبونا]: عمل النعمة في التقديس يشمل:
1ـ التجديد،
2ـ التطهير،
3ـ الملء.
(1) التجديد: 1ـ التجديد هو أول خطوة في التقديس، فلا يمكن أن توجد قداسة بدون تجديد القلب. 2ـ فان محاولات تهذيب الإنسان العتيق عملية فاشلة. 3ـ لهذا لزم تجديد الطبيعة كلية. 4ـ وهذا التجديد هو عمل النعمة البحت، إذ يقول الكتاب في (تى5:3) "لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس". 5ـ وهذا التجديد يحدث كما هو واضح في المعمودية، الذي هو "غسل الميلاد الثاني" 6ـ ولكن بعد أن يخرج الإنسان من المعمودية يكون عرضة للسقوط في الخطية، وبهذا يعود قلبه إلى حالة الفساد بسب الخطية الجديدة. 7ـ ومن أجل ذلك يحذرنا بولس الرسول قائلا: (1كو17:3) "من يفسد هيكل الله فسيفسده الله". وبطرس الرسول أيضاً يقول: (2بط4:1) "هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة". 8ـ وبناء على ذلك فقد قرر الآباء في مجمع قرطاجنة أن "دموع التوبة معمودية ثانية" أي أنها تجدد القلب من الفساد الذي لحق به بعد المعمودية. 9ـ ومن أجل ذلك أيضاً رتبت الكنيسة أن نصلى في كل صلاة من السبع صلوات اليومية قائلين في المزمور (مز10:51) "قلباً نقياً اخلق في يا الله". 10ـ فان كان قلبك قد أفسدته الخطية، اطلب من الروح القدس أن يجدده مرة أخري.
(13) المضيف: كان هذا عن التجديد بالروح القدس، وما هو العمل الثاني في التقديس؟
[أبونا]: العمل الثاني في التقديس هو التطهير: (1) وهو تنقية النفس من شوائب الشرور وآثار الخطية، (2) وهي عملية تستمر مع المؤمن مدى حياته على الأرض ويقوم بها الروح القدس نفسه (3) لهذا فنحن نصلى في القداس الإلهي قائلين "وصيرنا أطهاراً بروحك القدوس". [القداس الباسيلي - صلاة التقديس] (4) فان السر في عدم نقاوتنا هو أننا لم نسلم أنفسنا للروح القدس لكي ينقينا بالإيمان (5) كما قال معلمنا بطرس الرسول في (أع9:15) "معطياً لهم الروح القدس إذ طهر بالإيمان قلوبهم". (6) ولكن إذ نسلم ذواتنا للروح القدس يقوم هو بتطهيرها وتنقيتها حتى أن الخطية تصبح مكروهة جداً ومبغوضة ولا تطيقها نفسك. (7) ولقد صور هذه الحالة المتنيح الأنبا إغريغوريوس في كتاب (مفهوم الخلاص في الكنيسة الأرثوذكسية ص19 للقمص باخوم المحرق الأنبا إغريغوريوس) بقوله: 1ـ "في حالة القداسة، التي أصبح إليها المولود من الله، تَمْسِى الخطية غير مقبولة إليه، وتَمْسِى مكروهة جداً لديه، وتَمْسِى شنيعة في عينيه، وتصير عفنة وقذرة لا يقدر أن يتطلع إليها بعينيه، 2ـ [وضرب لذلك مثلا قائلا]: خذ مثلا لذلك قطعة من اللحم المتعفن. فحينما تكون هذه القطعة من اللحم يتحرك فيها الدود، ولها هذه العفونة، هل تقدر أنت أن تقبل إليها. بالطبع لا. لو أن واحداً قرَّبها إلى فمك لأشحت عنها وجهك، وتريد أن تسد أنفك لأنك لا تقدر أن تقبلها، وقد تكون جائعاً ومع ذلك لا يمكن أن تقبلها ولا تستسيغها، ولا تقدر أن تأكلها. فبهذه الشناعة تَمْسِى الخطية شنيعة، ومكروهة للإنسان المولود من الله، والذي يحتفظ بحالة الولادة من الله ويحتفظ ويصون وسائط الخلاص المعدة في الكنيسة. 3ـ [وأضاف]: لو أن واحداً من الناس رأى شيئاً من المأكولات العفنة في المذبلة، فهل يليق به أن ينحني ليأخذ من المزبلة شيئاً ليأكله؟ 4ـ [وختم كلامه قائلا]: هذه هي مشاعر القديسين عندما يكونون في حالة الروحانية العادية إذ تصبح لهم الخطية مكروهة جداً".
(14) المضيف: كلمتنا عن القداسة من جهة التجديد والتطهير، بقي أن تكلمنا عن الجانب الثالث وهو الملء؟
[أبونا]: الجانب الثالث للتقديس هو: المــلء: (1) فإن حياة القداسة هي حياة دائمة النمو، فهي وإن كانت تبدأ بالتجديد، لكنها تنمو بالتدريج في اختبارات العمق. (2) والملء هو المرحلة التي فيها يمتلك الروح القدس زمام المؤمن كلية، ويقتاده إلى العمق، إلى نهر سباحة لا يعبر، الذي خاض فيه حزقيال النبي ودوَّن اختباره في (حز3:47-5) قائلا: "قاس الف ذراع وعبرني في المياه والمياه الى الكعبين ثم قاس ألفا وعبرنى في المياه، والمياه إلى الكعبين. ثم قاس ألفاً وعبرنى في المياه، والمياه إلى الركبتين. ثم قاس ألفاً وعبرنى والمياه إلى الحقوين. ثم قاس ألفاً، وإذا بنهر لم أتستطيع عبوره. لأن المياه طمت. مياه سباحة نهر لا يعبر". (3) آه يا عزيزي المشاهد ليتك تختبر عمل النعمة هذا المبارك. 1ـ إنك في الميرون قد أصبحت مسكنا للروح القدس الذي حل فيك بالسر. 2ـ ولكنك قاومت الروح مراراً (اع51:7) وأحزنت الروح أيضاً (أف30:4) وربما يا أخي تكون قد أطفأت الروح في داخلك. (1تس19:5). 3ـ ولكن عندما تضرم هذه الموهبة التي أخذتها (2تى6:1) تنعشك وتمتلك حياتك ملكية تامة. (4) هل أنت مشتاق إلى عمق هذا الاختبار، إذن ارفع صوتك مرنماً:
لقـد تشــوقت لقـد تعطشـت، لهذا ربي رجـوت أدخل إلى العمق.
خذني إلى العمـق خذني إلى العمق، نهر سباحة لا يعبر هذا هو العمـق.
(15) المضيف: هل تكلم آباء الكنيسة عن الملء بالروح القدس؟
[أبونا]: نعم، كثيرون تكلموا عن الملء بالروح القدس، ولكني سأكتفي في هذه الحلقة، لضيق الوقت، بكلام القديس الأنبا أنطونيوس الكبير إلى تلاميذه عن هذا الروح الناري الذي اشتاق لهم أن يحصلوا عليه. فقد جاء في كتاب (رسائل القديس أنطونيوس الجزء الثاني (8-19) – نصوص آبائية 44 – تعريب: بيت التكريس – يناير 1999 – ص 11-12) "هذا الروح الناري العظيم الذي قبلته أنا أقبلوه أنتم أيضاً، وإذا أردتم أن تنالوه ويسكن فيكم فقدموا أولاً أتعاب الجسد وتواضع القلب، وارفعوا أفكاركم إلي السماء ليلاً ونهاراً، واطلبوا بكل قلبكم هذا الروح الناري القدوس وحينئذ يُعطي لكم، لأنه هكذا حصل عليه إيليا التشبِّي وأليشع وجميع الأنبياء الآخرين. ولا تفكروا في قلوبكم وتكونوا ذوي قلبين وتقولوا "من يستطيع أن يقبل هذا؟ "فلا تَدَعوا هذه الأفكار أن تدخل إلي عقولكم، بل اطلبوا باستقامة قلب وأنتم تقبلوه. وأنا أبوكم أجتهد معكم وأصلي لأجلكم لكي تقبلوه، لأني أعلم أنكم قد جحدتم ذواتكم لكي تستطيعوا أن تقبلوه. لأن كل من يفلِّح ذاته بهذه الفلاحة في كل جيل فإنه ينال نفس الروح، الذي يسكن في المستقيمي القلوب. وأنا أشهد لكم، إنكم تطلبون الله بقلب مستقيم فداوموا باجتهاد من كل قلوبكم فإنه سيعطي لكم".
(16) المضيف: هذا بالفعل شيء رائع. لقد كلمتنا عن عمل النعمة الثلاثي: التجديد، والتطهير، والملء، هل هناك خطورة على من يقلل من عمل النعمة؟
[أبونا]: (1) الواقع إن لعمل النعمة في حياة المؤمن أهمية قصوى، فبدون النعمة لا يستطيع أحد أن يسير مع الله، أو أن يُنفِّذ وصاياه، (2) ولقد حَرَّمَت المجامع الكنسية كل من يقلل من شان النعمة، منها:
1ـ مجمع قرطاجنة،
2ـ مجمع آرليس Arles ،
3ـ مجمع أورانج Orange ،
(3) وقبل أن أعرض قرارات هذه المجامع، أناجيك من كل قلبي أن تخضع ذاتك تحت إرشاد الروح القدس وتطلب من الله أن يسكب نعمته فيك حتى تنجو من الهلاك.
(17) المضيف: هل يمكن أن تذكر لنا قرارات تلك المجامع؟
[أبونا]: أولا: مجمع قرطاجنة: [في شمال أفريقيا] المنعقد سنة 417م وحضره (200) أسقفاً. جاءت قراراته في: (مذكرات الكلية الإكليريكية الأرثوذكسية ص27 إلى 29- لاهوت مقارن - هرطقة بيلاجبوس "للقمص باخوم المحرقي" المتنيح الأنبا إغريغوريوس) (1) القرار الأول: "من قال أن نعمة الله التي بها يتبرر الإنسان بواسطة يسوع المسيح ربنا لا تفيد إلا في غفران الخطايا التي ارتكبت بالفعل، وأنها لا تعين في منع ارتكاب الخطايا، فليكن محروماً". [تعليقي]: من هذا يتضح أن المجمع يقرر بأن النعمة تعمل على غفران الخطايا وتعين في منع ارتكابها ومن يقول غير ذلك فهو محروم. (2) القرار الثاني: "من قال أن هذه النعمة تعيننا فقط لكي نتجنب الخطية، ولكنها لا تمنحنا اللذة في فعل ما عرفنا، ولا القوة لفعله، فليكن محروماً". [تعليقي]: بهذا يقرر المجمع أن النعمة تعين في تجنب الخطية، وتمنح لذة في السلوك بالروح، وتهب قوة لذلك. ومن يقول غير ذلك فليكن محروماً. (3) القرار الثالث: "من قال أنه كان يمكننا أن نتمم الوصايا بدون هبة النعمة.. فليكن محروماً". وبهذا ينص المجمع على ضعف الإرادة الإنسانية إذا كانت بغير عون من نعمة الله وأننا في حاجة أساسية وحيوية إلى النعمة لنتمكن بها من إتمام وصايا الله".
(18) المضيف: وماذا كانت قرارات المجمعين الثاني والثالث؟
[أبونا]: (1) المجمع الثاني هو: مجمع آرليس Arles : الذي انعقد حوالي 473م، وأصدر القرار التالي: "لابد من أن يقترن عمل الإنسان وسعيه بنعمة الله" (المرجع السابق ص37).
(2) المجمع الثالث: أورانج Orange الذي عقد حوالي 529م، ومن بين ما قرره هذا المجمع: "أنه عن طريق خطية الإنسان الأول إلتوت حرية الاختيار وضعفت حتى لم يعد أي إنسان بعد ذلك قادراً على أن يحب الله كما ينبغي أو يؤمن بالله أو يصنع شيئاً صالحاً من أجل الله إلا إذا سبقته نعمة الله". (نفس المرجع السابق ص41)
(3) لهذا فليس بعجيب أن نرى القديس أوغسطينوس ذلك الرجل الذي اختبر عمل النعمة يكتب كلاماً اختبارياً فيقول في مجموعة أقوال الآباء:
(Nicene & Post Nicene Fathers 1st. Ser. Vol.5, P. 142)
يقول: "دعنا نعترف أن النعمة ضرورية لنا، ولنصرخ مع بولس الذي قال: "ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت؟" هذا سؤال حائر، وإجابته: نعمة الله بالمسيح ربنا هي التي تنقذنا" (4) وقال أيضا: "عندما يصلي المؤمنون يقولون "لا تدخلنا في تجربة لكن تجنا من الشرير" (مت13:6). فان كان لهم القدرة فعلا على خلاص، فلماذا يطلبون هذه الطلبة؟ إن نعمة الله وحدها هي التي تخلصهم بربنا يسوع المسيح.. فلا يمكن للإنسان أن يتحرر من شهواته الجسدية إلا بنعمة المخلص. (نفس المرجع)
(5) هذه هي قرارات المجامع الكنسية، وأقوال الآباء القديسين صريحة واضحة لا تحتاج إلى تعليق، حتى يستد أمامها فم الهراطقة الذين ينكرون عمل النعمة".
(19) المضيف: هذا كلام واف عن جانب النعمة الإلهية في تقديس المؤمن ، فهل يمكن أن تلخص ما قلته لنا؟
[أبونا]: (1) تكلمت عن:
() مفهوم للتقديس.
() وعمل النعمة في التقديس من:
1ـ تجديد للطبيعة،
2ـ وتطهير للقلب،
3ـ وملء بالروح القدس.
(2) ولم يسعفني الوقت لأتكلم عن:
1ـ دور المؤمن وما يستطيع أن يقوم به ليعيش القداسة العملية في سلوكه اليومي.
(3) ونرجئ بقية الحديث إلى حلقات قادمة بمشيئة الله.
(20) المضيف: نكرر الشكر لله على هذه النعم الغنية (أحبائي المشاهدين: أعلن أن خطوط التليفونات ستفتح بعد العودة من الفاصل، فاتصلوا بنا على الأرقام الموضحة على الشاشة ومرحبا بكم، ويسعدنا أن نتلقى مداخلات من أحبائنا المسلمين الذين يشاهدون البرنامج).
[أبونا]: إلى اللقاء بعد الفاصل.
======== فاصل =========
(21) المضيف: مرحبا بكم ثانية ويسعدنا أن نأخذ بعض المداخلات؟
[أبونا]: أرجو أن تكون المداخلات: (1) تعليق على الموضوع: 1ـ هل استفدت شيئا منه 2ـ هل خاطبك الرب عن شيئ في حياتك من خلال آية في الموضوع 3ـ هل لديك أسئلة واستفسارات عن أي شيء في الموضوع؟ (2) مداخلات وأسئلة عن أي موضوع آخر (3) طلبات شخصية وطلب صلاة.
========== المداخلات ========
(22) المضيف: شكرا جزيلا أبونا، وشكرا لكم جميعا أيها الأحباء المشاهدين لتواجدكم معنا في هذا البرنامج، وإلى اللقاء في برامج قادمة. هل يمكن أن تباركنا بصلاة ختامية، وتذكر طلبات الأحباء الذين طلبوا الصلاة من أجلهم؟
[أبونا]: (1) بكل سرور: صلاة ختامية. (2) شكرا لك أيضا. وشكرا لمحبتكم جميعا، وإلى اللقاء أيها الأحباء. سلام.