برنامج حياتك الروحية
حلقة (11) الثلاثاء 22/11/2011م
(عمل النعمة)
(ديانا عبدالله)
(1) المضيف: 1ـ مرحبا بكم أيها الأحباء المشاهدين في الحلقة الحادية عشرة من برنامج "حياتك الروحية" من قناة الفادي الفضائية، ومعنا القمص زكريا بطرس، مرحبا بك
أبونا: مرحبا بك، وبالمشاهدين الأحباء
(2) المضيف: هل ترفع لنا طلبة في البداية؟
أبونا: بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. "
آمين).
خريطة موضوع الخلاص
(3) المضيف: اعتدت أن تقدم لنا خريطة موضوع الخلاص، فهل تعرضها لنا؟
أبونا: بكل سرور نرى الجدول معا. (الجدول)
الخلاص يشمل: (1) جوهر الخلاص (2) قضية الخلاص (3) نعمة الخلاص (4) إتمام الخلاص. فبخصوص
أولا: جوهر الخلاص: يشمل: (1) مفهوم الخلاص (2) ودوافع الخلاص (3) وطرق الخلاص (4) وعمل الخلاص.
ثانيا: قضية الخلاص: تشمل: (1) فلسفة الخلقة (2) مشكلة الخطية (3) تدبير الخلاص.
ثالثا: نعمة الخلاص: تشمل: (1) مفهوم النعمة (2) عمل النعمة (3) مجال النعمة (4) وسائط النعمة.
رابعا: إتمام الخلاص: يشمل: (1) خطر الارتداد (2) حتمية الجهاد (3) أهمية التدريبات.
(4) المضيف: هل يمكن أن تلخص لنا موضوع الحلقة السابقة؟
أبونا: كان موضوع الحلقة السابقة عن نعمة الخلاص بخصوص العناصر التالية:
مفهـوم النعمـة فهي:
1ـ نعمة مجانية.
2ـ نعمة عمومية.
ليست من أعمال بشرية.
(5) المضيف: وما هو موضوع هذه الحلقة؟
أبونا: سيكون موضوعنا مكمل لموضوع الحلقة السابقة، فسوف نتكلم عن:
عمل النعمة، ويشمل الجوانب التالية:
1ـ التبـريـر
2ـ التقديـس
3ـ التمجيـد
(6) المضيف: وماذا تريد أن تقول لنا عن أول جانب من عمل النعمة وهو: التبرير؟
أبونا: (1) في بداية القرن الخامس الميلادي ظهرت في بريطانيا، هرطقة تدعى: الهرطقة البيلاجية Pelagianism نسبة إلى مبتدعها الراهب الإنجليزي Pelagius (2) الذي نادى بعدم احتياج البشر للنعمة المخلِّصة، وبأن للإنسان قدرة ذاتية طبيعية تمكنه من الخلاص والتبرير والوصول للكمال، بمجهوداته الشخصية، وأعماله دون الحاجة إلى تدخل من جانب النعمة. (3) وقد عقدت عدة مجامع كنسية شجبت هذه البدعة، وأكدت أن الإنسان في مسيس الحاجة لنعمة المسيح التي بدونها لا يستطيع أحد أن يخلص أو أن يتبرر. (4) وقد انبرى القديس أوغسطينوس مفنداً هذه الهرطقة ومثبتاً أنه لا خلاص إلا بالنعمة الموهوبة من الله. وقد جمعت كتاباته ضد هذه الهرطقة في مجلد بلغ حجمه 750 صفحة من القطع الكبير، بعنوان: "ضد البيلاجية" (Anti Pelagianism) في مجموعة "مكتبة أقوال الآباء" المعروفة بإسم:
(Liberary of the Early Church Fathers) Or,
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 5) .
(5) وعلى منوال هذه البدعة نسج كثيرون من المبتدعين والهراطقة على مر العصور، محاولين إنكار عمل النعمة كلية، أو التقليل من شأنها.
(7) المضيف: هناك معركة طاحنة حول التبرير: هل هو بالإيمان أم بالأعمال. فما رايك؟
أبونا: الواقع أن للتبرير اتجاهان:
1ـ تبرير أمام الله، ونحصل عليه بالإيمان.
2ـ وتبرير أمام الناس، ويظهر في الأعمال التي يقوم بها الإنسان.
(1) التبرير أمام الله: وهو من عمل النعمة البحتة، ولا دخل لعمل الإنسان في تبريره أمام الله، فما عليه إلا أن يتوب، ويؤمن أي يثق في بر المسيح حتى ينال هذه النعمة.
(8) المضيف: هل يمكن أن تسلط الضوء على أبعاد التبرير أمام الله؟
أبونا: التبرير أمام الله نعمة فائقة تشمل:
1ـ ستر خطايانا.
2ـ ومحو خطايانا.
3ـ وعدم حسبانها علينا.
4ـ حسبان بر المسيح لنا.
(أ) البعد الأول لنعمة التبرير هو ستر خطايانا: يعني تغطيتها حتى لا يظهر خزي عورتنا (2) ففي صلاة الشكر نرفع قلوبنا لله شاكرة نعمته ونقول: (نشكرك لأنك سترنا) أي غطيتنا فلم تعد خطايانا تظهر أمام العدل الإلهي، لأنها سترت برداء بر المسيح. (3) وعن هذه النعمة قال الكتاب "طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم" (رو7:4).
(ب) البعد الثاني لنعمة التبرير هو: محو خطايانا: (1) فالتبرير لا يشمل فقط ستر الخطية فحسب، وإنما يشمل أيضاً محوها (2) وهذا من عمل النعمة أيضاً إذ يقول داود النبي "استر وجهك عن خطاياي وامح كل آثامي" (مز9:51). (3) وقال الرب عن لسان أشعياء النبي "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك" (أش22:44). (4) وأيضاً "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها" (أش25:43). (5) وهذا أيضاً هو عين ما وضحه بطرس الرسول إذ قال "توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم" (أع19:3). (6) وبولس الرسول يصف عمل المسيح الفدائي بقوله "محا الصك الذي علينا" (كو14:2).
(9) المضيف: على اي أساس يمحو الله خطايانا؟
أبونا: (1) نعمة محو خطايانا تتم بواسطة دم المسيح (2) إذ يطهرنا من كل خطية (1يو9:1) "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم".
فشكراً لله على هذه النعمة العظيمة. (3) أذكر قصــة عن ذلك: تعاملت النعمة مع أحد الخطاة حتى سقط تحت التبكيت، واعتراه الحزن واليأس. وفي الليل كشف الرب عن عينيه ليرى هذه الرؤيا .. نظر فوجد أمامه لوحة كبيرة سوداء. ولما اقترب منها عرف أن ما كتب عليها بالأسود هي خطاياه الكثيرة. فصار يبكى وينتحب. وبينما هو على هذا الحال، إذ به يرى يداً مثقوبة تسيل بالدماء وتسير على اللوحة من فوق إلى أسفل، فلاشت كل ما كان مكتوباً عليها، وصارت بيضاء كالصوف النقي. وقد كتبت عليها "محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك" وقام من نومه وإذا بشمس الأحد تمزق ستائر الظلام، فأسرع إلى الكنيسة وتقدم إلى أبيه الروحي الذي قدمه إلى سر الشركة المقدسة بعد أن استمع إلى اعترافه. وصار له سلام في الداخل "وفرح لا ينطق به ومجيد" (1بط8:).
(10) المضيف: بقي أن تحدثنا عن الجانب الثالث لنعمة التبرير.
أبونا: الجانب الثالث لنعمة التبرير هو: عدم حسبان خطايانا علينا: (1) تأمل يا أخي هذا الامتياز المدهش فالله لا يستر خطايانا فقط، ولا يمحوها فحسب، بل ما هو أعظم من ذلك، إذ أنه لا يحسبها علينا مطلقاً. (2) فمعلمنا بولس الرسول يقول "إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم" (2كو19:).
(11) المضيف: كيف يكون هذا ولماذا لا يحسبها الرب علينا مع أننا نحن قد ارتكبناها؟
أبونا: (1) إن السبب في ذلك هو أن خطايانا قد حسبت على المسيح شخصياً. كما يقول أشعياء النبي (أش6:53) "كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا". (2) وبولس الرسول يقول (2كو21:5) "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه". (3) ولنا في قصة أنسيمس العبد مثلا توضيحيا: كان أنسيمس هذا عبداً عند أحد تلاميذ بولس الرسول ويدعى فليمون. سرق هذا العبد بعض الأموال من سيده وهرب. ثم تقابل مع بولس الرسول وتجدد على يديه معترفا بخطاياه تائباً عنها. فكتب بولس الرسول رسالة إلى فليمون وسلمها لأنسيمس لتوصيلها. وقد كتب فيها "إن كان (أنسيمس) قد ظلمك بشيء، أو لك عليه دين. فاحسب ذلك على. أنا بولس كتبت بيدي أنا أُوْفي" (فليمون18). (4) فهل بعد هذا يعود فليمون يطالب أنسيمس بالدين؟ بالقطع كلاَّ. فقد دفعه بولس، ونحن نعلم أن الدين لا يدفع مرتين. (5) هذا ما صنعه يسوع معنا، فإذ كنا مديونين للعدل الإلهي وفًّي يسوع الدين كله على خشبة الصليب. فلا يحسب الرب علينا خطية.
(12) المضيف: وماذا عن الجانب الرابع من نعمة التبرير وهي: حسبان بر المسيح لنا؟
أبونا: (1) إن للتبرير معنى أعظم بكثير من مجرد الستر والمحو، وعدم حسبان الخطية علينا، فهذه كلها أمور سلبية لتطهير المؤمن من نتائج الخطية. (2) ولكن أسمى ما في التبرير هو الناحية الإيجابية أي حسبان بر المسيح لنا. (3) يوضح ذلك معلمنا بولس الرسول في قوله "جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا. لنصير نحن بر الله فيه" (2كو20:5). (4) وقد علق على ذلك القديس يوحنا ذهبي الفم بقوله في مجموعة أقوال الآباء:
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 12, P. 33)
(إن الرسول لم يقل "جعل البار خاطئاً. ليصير الخطاة أبراراً، ولكنه قال ما هو أسمى من ذلك بكثير، إذ لم يقل: "جعل الذي لم يخطئ"، بل قال: "جعل الذي لم يعرف خطية". [ويضيف ذهبي الفم]: إن بولس الرسول لم يقل: "جعله خاطئاً" بل "جعله خطية، لنصير نحن، ليس أبراراً، بل براً، الذي هو "بر الله". [واستطرد قائلا]: فهذا هو بر الله أننا لم نتبرر بالأعمال بل بالنعمة حتى أن جميع خطايانا قد محيت. وهذا الأمر لا يدفعنا إلى الكبرياء، إذ أن الكل عطية مجانية من الله، وفي نفس الوقت ترينا عظمة ما حصلنا عليه"
(13) المضيف: أقوال أكثر من رائعة، فهل من مزيد؟
أبونا: (1) يقول معلمنا بولس الرسول: (رو24:3-26) "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السابقة بإمهال الله وإظهار بره في الزمان الحاضر ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع". (2) ويعلق على ذلك القديس يوحنا ذهبي الفم في مجموعة أقوال الآباء:
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 11, P. 377, 378)
قائلا: ما هو إظهار البر؟ إن إظهار البر يشبه إظهار الغنى، فالغنى هو ليس أنه غنى فحسب، بل أنه يغنى الآخرين. [ويضيف]: ومثل إظهار الحياة، ليس أنه حي فحسب، بل إنه يعطى الأموات حياة. ومثل إظهار قوته، ليس أنه قوى فحسب، بل إنه يعطى الضعفاء قوة. [ويكمل قائلا]: فهكذا أيضاً في إظهار بره، ليس أنه بار فحسب، بل إنه جعل المملوئين فساداً ونتانة أن يصيروا أبراراً [ويستطرد قائلا]: "ولكي يوضح بولس الرسول معنى إظهار بره، أضاف قائلا: "ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" فلا تشك إذن أن التبرير ليس بالإعمال، بل بالإيمان، [ويوصي المستمع قائلا]: فلا يفوتك بر الله، إذ أنه امتياز له صفتان: 1ـ الصفة الأولى: سهولة الحصول عليه. 2ـ والصفة الثانية: عموميته للجميع. [ويواصل قائلا]: فلا تتوان ولا تخجل، فإذ قد أظهر أنه هو نفسه الذي يقوم بهذا العمل، وهو بالتأكيد يجد فيه مسرة وفخراً، فلماذا تغتم أنت وتخزى من الأمر الذي يتمجد به سيدك؟!
(14) المضيف: يا لعظمة نعمة التبرير حقا. ولكن ألم يقم ضد هذا التعليم أحد من المقاومين؟
أبونا: * رغم عظمة هذا التبرير بالنعمة، لكنه بالفعل قامت ضد هذا التعليم السامي هرطقات عديدة تقلل من شأن هذه النعمة، وتجعل للتبرير ركيزة أخرى غير دم المسيح، الأمر الذي يهين الله، ويطعن في كفاية كفارة المسيح. لهذا قام آباء الكنيسة بردع المدعين المبتدعين، وإليك بعض أقوالهم في هذا الصدد. (1) يتساءل القديس أوغسطينوس في (مجموعة أقوال الآباء):
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 5, P. 229, 230)
قائلا: (ما معنى قول الرسول "متبررين مجاناً بنعمة" وماذا يقصد بقوله "لأنكم بالنعمة مخلصون" وحتى لا يظن أحد أن الخلاص بالأعمال، يضيف الرسول قائلاً: "بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان" وخشية أن يفكر أحد أن الإيمان عمل بشرى مستقل عن النعمة، يوضح الرسول أن الإيمان هو أيضاً من عمل النعمة بقوله (أف8:2) "وذلك ليس منكم هو عطية الله".
(2) وقال أيضاً القديس أغسطينوس في مجموعة أقوال الآباء:
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 5, P. 122)
"بدون نعمة المسيح لا يمكن لصغير أو كبير أن يخلص، وهذه النعمة لا تعطى مقابل أي شئ صالح وإنما هي عطية مجانية [وأضاف] لهذا فهي تسمى نعمة: (رو24:3) "متبررين مجاناً بنعمته".
(3) ومن أقوال القديس أغسطينوس أيضاً: في مجموعة أقوال الآباء:
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 7, P. 345)
"إن في هذا ثناءً عظيما على النعمة أيها الأخوة، حتى تتعلم النفس الاتضاع، ويستد فم الكبرياء. فَلْيُجِبْ الآن إن استطاع أولئك الذين إذ يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم بعدم الخضوع لبر الله (رو3:10). [وأكمل القديس أوغسطينوس قائلا]: "إن إجابتكم تتضمن الكفر عندما تقولون أن الله قد خلقنا، ولكننا نحن نستطيع أن نصير أبراراً بأنفسنا"
(4) وقال أيضاً القديس أوغسطينوس:
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 5, P. 142)
"دفاعاً عن نعمة المسيح أرفع صوتي قائلا: بدون النعمة لا يتبرر أحد".
(5) ومن أجمل أقواله أيضا في هذا الصدد ما ختم به حديثه إذ قال في مجموعة أقوال الآباء
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 5, P. 92)
"وختام القول أن الإنسان لا يتبرر بمظاهر حياة القداسة وإنما بواسطة الإيمان بالرب يسوع. أي ليس بالأعمال بل بالإيمان، ليس بالأعمال الصالحة بل بالنعمة المجانية".
(15) المضيف: هذه روائع من أقوال القديس أوغسطينوس، ألا توجد أقوال لآباء آخرين؟
أبونا: (1) القديس يوحنا ذهبي الفم يقول في مجموعة أقوال الآباء
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 12, P. 334)
"إننا لم نتبرر بالأعمال بل بالنعمة، حتى أن جميع خطايانا قد محيت. وهذا الأمر لا يدفعنا إلى الكبرياء، لأن الكل عطية مجانية من الله."
(2) ومن أقوال ذهبي الفم أيضا ما قاله تعليقاً على قول بولس الرسول (رو17:1)"لأن فيه معلن بر الله بإيمان لإيمان كما هو مكتوب أما البار فبالأيمان يحيا". فيقول في مجموعة أقوال الآباء
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 12, P. 349)
"وحتى لا يشك أحد في إمكانية الخلاص والسلام يتكلم عن البر، ليس بر الإنسان بل بر الله، ليظهر فيض هذا البر وسهولة الحصول عليه، إذ لا يحصل عليه الإنسان بالجهد والعمل بل يقبله عطية من فوق. متطلباً شيئاً واحداً من جانبك وهو الإيمان [وأضاف]: وحتى لا يشك أحد في صدق كلامه بأن الزاني والشرير والسارق لا يتحرروا فقط من العقوبة بل يصيروا أبراراً، ولهم أسمى أنواع البر (أي بر الله ذاته) يدعم بولس الرسول كلامه باستشهاد من العهد القديم من سفر حبقوق الذي قال "أما البار فبالإيمان يحيا." (حب4:2).
(16) المضيف: هل يفهم من ذلك أن الإنسان طالما قد تبرر بالإيمان، وحسب له بر المسيح، أنه يستبيح لنفسه الخطية ويتمادى فيها، أو هل يشجعه ذلك على الكسل والتراخي وعدم الاكتراث؟
أبونا: (1) هذا فكر خاطئ ولا يمكن أن يحدث لإنسان قبل المسيح حقاً، أن يظن ذلك. (2) فبولس الرسول قد ناقش هذا الموضوع فبعد أن قال: "حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً، [أضاف]: فماذا نقول. أنبقى في الخطية لكي تكثر النعمة. حاشا. نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها" (رو20:5). (3) وما أجمل ما قاله القديس يوحنا ذهبي الفم في هذا الصدد، في مجموعة أقوال الآباء
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 11, P. 345)
(لا تستسلم للكسل بحجة أن الكل بالنعمة، فبولس الرسول يسمى الأعمال الصالحة أيضاً نعمة لأنها تحتاج إلى قدرة علوية للقيام بها)
(4) وأريد أن أقول قاعدة عامة أساسية وهي: تبرير بلا تقديس، يجعل الإنسان أشر من إبليس.
(17) المضيف: كان هذا عن التبرير أمام الله، فماذا عن الجانب الآخر من التبرير، وهو التبرير أمام الناس؟
أبونا: (1) للحديث عن هذا الجانب وهو التبرير أمام الناس أقول: إن الخاطئ الذي حصل على التبرير لا بد وأن تظهر نعمة الله في حياته الجديدة، وأعماله الجديدة، وبهذا يتبرر أمام الناس (2) فزكا العشار (لو1:19-8) بعد أن تقابل مع المسيح وقبله فرحاً، قال للرب "ها أنا يارب أعطى نصف أموالي للمساكين وإن كنت وشيت بأحد أرد له أربعة أضعاف". فكان هذا دليلا على خلاصه، لذلك قال له رب المجد (لو9:19) "اليوم حصل خلاص لهذا البيت". (3) فتبرير المؤمن أمام الناس هو ثمرة تبريره أمام الله. فكما غفر له الله خطاياه عليه أن يغفر للآخرين أيضاً (مت12:6) "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا". (4) وكما نال من الرب نعمة وإحسانا، لا بد وأن يعطى هو للآخرين أيضاً بحسب مقدوره. (5) وهذا ما وضحه معلمنا يعقوب في رسالته (يع15:2،16) إذ قال "إن كان أخ وأخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي فقال لهما أحدكم امضيا بسلام استدفئا واشبعا، ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد فما المنفعة". وبهذا يكمل حديثه قائلا (يع24:2) "ترون إذن أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده." (6) وقد تكلم معلمنا بولس الرسول عن اتجاهي التبرير هذين (أمام الله، وأمام الناس) بكل وضوح.
(18) المضيف: وكيف وضح بولس الرسول ذلك؟
أبونا: (1) وضح ذلك في معرض حديثه عن تبرير أبينا إبراهيم (2) فوضح تبرير إبراهيم أمام الله بالإيمان في قوله: (رو3:4ـ8) "لأنه ماذا يقول الكتاب. فآمن إبراهيم بالله فحسب له براً ... أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة على سبيل نعمة بل على سبيل دين. وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له براً. كما يقول داود أيضاً في تطويب الإنسان الذي يحسب له الله براً بدون أعمال. "طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية".
(19) المضيف: هذا واضح جدا عن تبرير إبراهيم أمام الله بالإيمان، وماذا قال بولس الرسول عن تبرير إبراهيم بالأعمال أمام الناس؟
أبونا: (1) عن تبرير إبراهيم أمام الناس بالأعمال قال: في (رو2:4) "إن كان إبراهيم قد تبرر بالأعمال فله فخر. ولكن ليس لدى الله". (2) والواقع أن القيام بأعمال البر هذه لا يقوم بها المؤمن من ذاته وإنما بعمل النعمة فيه إذ يقول رب المجد (يو5:15) "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً". (3) وبولس الرسول يؤكد هذه الحقيقة بقوله في رسالة (فيلبي13:2) "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة". (4) وقد أيد الآباء القديسون هذا المفهوم بكل جلاء فيقول القديس أغسطينوس في مجموعة كتابات الآباء:
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 7, P. 345)
"فَلْيُجِبْ أصحاب الأخلاق الرفيعة الذين يظنون أنهم ليسوا في حاجة لله للقيام بالأعمال الصالحة! ألا يقاوم الحق أولئك الناس الفاسدة أذهانهم، والمرفوضون من جهة الإيمان. (2تى8:3). ما هذا الذي تقولونه يا من تخدعون أنفسكم؟" [ويضيف]: لماذا تقولون أن الإنسان يستطيع أن يعمل البر بنفسه؟. فإن هذا هو قمة غروركم … ولكن الحق يناقض قولكم ويعلن "أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة". [ويكمل قائلا]: "ومن يتوهم أنه يستطيع أن يأتي بثمر من ذاته فهو ليس في الكرمة، ومن ليس في الكرمة فهو ليس في المسيح، ومن ليس في المسيح فهو ليس مسيحياً". (5) وقال أيضاً في مجموعة كتابات الآباء:
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 5, P. 452)
"تفتخر بأعمالك الحسنة كما لو كانت من صنعك، لأن الله هو العامل فيك هذه الأعمال الصالحة "الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (فى13:2) (6) وقال أيضاً في مجموعة كتابات الآباء:
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 5, P. 451)
"هذه الأعمال الصالحة التي نقوم بها ونكافأ عليها ترجع أيضاً إلى عمل نعمة الله فيينا إذ قال الرب يسوع "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً"
(20) المضيف: يبدو أن قدسك مغرم بالقديس أوغسطينوس فتكثر من أقواله، ولكن هل يوجد آخرون يؤيدون هذه الأقوال؟
أبونا: (1) عندك حق، فالقديس أوغسطينوس من الشخصيات التي أنا شخصيا متيم بها (2) ولا ننسى أنه تصدى لهذه البدعة، بدعة التبرير بالأعمال، بالتنفنيد الدقيق في مجلد كامل، يعتبر مرجعا غنيا للرد على هذه البدعة وأشباهها (3) ولكن هناك الكثيرين ممن تكلموا على نفس الشيء (3) فلقد قرر مجمع آرليس Arles الذي انعقد سنة 473م. ما يلي: (لابد من أن يقترن عمل الإنسان وسعيه بنعمة الله). [المرجع]: (مذكرات الكلية الإكليريكية ـ هرطقة بيلاجبوس ص29 للقمص باخوم المحرقي (المتنيح الأنبا إغريغوريوس). (4) وما أجمل ما قاله القديس يوحنا ذهبي الفم في مجموعة كتابات الآباء:
(Nicene and Post Nicene Fathers. Ser 1. Vol. 11, P. 345)
"إن الحديث عن النعمة لا يقلل من شان العزيمة البشرية وإنما يهدم روح الكبرياء. إذن لا تستسلم للكسل بحجة أن الكل هو بالنعمة، فان الرسول يسمى الأعمال الصالحة أيضاً نعمة لأنها تحتاج إلى قوة علوية للقيام بها".
(21) المضيف: هذا كلام واف، فهل يمكن أن تلخص ما قلته لنا؟
أبونا: (1) كنت أتكلم عن:
عمل النعمة، وقلت أنه يشمل الجوانب التالية:
1ـ التبـريـر
2ـ التقديـس
3ـ التمجيـد
(2) ولكن الوقت لم يسعفني إلا أن أتكلم عن:
1ـ التبرير أمام الله بالإيمان.
2ـ والتبرير أمام الناس بالأعمال التي يعملها الله في المؤمن.
(3) ونرجئ بقية الحديث إلى حلقات قادمة بمشيئة الله.
(22) المضيف: نكرر الشكر لله على هذه النعم الغنية (أحبائي المشاهدين: أعلن أن خطوط التليفونات ستفتح بعد العودة من الفاصل، فاتصلوا بنا على الأرقام الموضحة على الشاشة ومرحبا بكم، ويسعدنا أن نتلقى مداخلات من أحبائنا المسلمين الذين يشاهدون البرنامج).
أبونا: إلى اللقاء بعد الفاصل.
فاصل
(23) المضيف: مرحبا بكم ثانية ويسعدنا أن نأخذ بعض المداخلات؟
أبونا: أرجو أن تكون المداخلات: (1) تعليق على الموضوع: 1ـ هل استفدت شيئا منه 2ـ هل خاطبك الرب عن شيئ في حياتك من خلال آية في الموضوع 3ـ هل لديك أسئلة واستفسارات عن أي شيء في الموضوع؟ (2) مداخلات وأسئلة عن أي موضوع آخر (3) طلبات شخصية وطلب صلاة.
المداخلات
(24) المضيف: شكرا جزيلا أبونا، وشكرا لكم جميعا أيها الأحباء المشاهدين لتواجدكم معنا في هذا البرنامج، وإلى اللقاء في برامج قادمة. هل يمكن أن تباركنا بصلاة ختامية، وتذكر طلبات الأحباء الذين طلبوا الصلاة من أجلهم؟
أبونا: (1) بكل سرور: صلاة ختامية. (2) شكرا لك أيضا. وشكرا لمحبتكم جميعا، وإلى اللقاء أيها الأحباء. سلام.